فصل: شهداء الخندق

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير **


 تابع غزوة الخندق

وعن ابن إسحاق من غير رواية البكائي أن عمراً لما نادى بطلب من يبارزه قام علي رضي الله عنه وهو مقنع في الحديد فقال أنا له يا نبي الله فقال له ‏"‏ اجلس إنه عمرو ‏"‏ ثم كرر عمرو النداء وجعل يؤنبهم ويقول أين جنتكم التي تزعمون إنه من قتل منكم دخلها أفلا تبرزون لي ولقد بححت من النداء بجمعكم هل من مبارز ووقفت إذ جبن المشجع وقفة الرجل المناجز وكذاك أني لم أزل متسرعاً قبل الهزاهز إن الشجاعة في الفتى والجود من خير الغرائز فقام علي رضي الله عنه فقال أنا له يا رسول الله فقال ‏"‏ إنه عمرو ‏"‏ فقال وإن كان عمراً فأذن له رسول الله عليه الصلاة والسلام فمشى إليه علي وهو يقول‏:‏ لا تعجلن فقد أتاك مجيب صوتك غير عاجز ذو نية وبصيرة والصدق منجي كل فائز إني لأرجو أن أقيم عليك نائحة الجنائز من ضربة نجلاء يبقى ذكرها عند الهزاهز فقال عمرو من أنت قال أنا علي قال ابن عبد مناف قال أنا علي بن أبي طالب فقال غيرك يا ابن أخي من أعمامك من هو أسن منك فإني أكره أن أهريق دمك فقال علي لكني والله ما أكره أن أهريق دمك فغضب نزل رسل سيفه وكأنه شعلة نار ثم أقبل نحو ه فاستقبله علي بدرقته فضربه عمرو فيها فقدها وأثبت فيها السيف وأصاب رأسه فشجه فضربه علي على حبل العاتق فسقط وثار العجاج وسمع رسول الله عليه الصلاة والسلام التكبير فعرف أن علياً قد قتله‏.‏

قال ابن هشام وكان شعار أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام يوم الخندق ويوم بني قريظة ‏"‏ حم لا ينصرون ‏"‏‏.‏

قال ابن إسحاق وحدثني أبو ليلى عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الرحمن الأنصاري أخو بني حارثة أن عائشة أم المؤمنين كانت في حصن بني حارثة يوم الخندق وكان من أحصن حصون المدينة قال وكانت أم سعد بن معاذ معها في الحصن قالت وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب فمر سعد وعليه درع له مقلصة قد خرجت منها ذراعه كلها وفي يده حربته يرقد بها ويقول‏:‏ لبث قليلاً يشهد الهيجا حمل لا بأس بالموت إذا حان الأجل فقالت له أمه الحق أي بني فقد والله أخرت قالت عائشة رضي الله عنها فقلت لها يا أم سعد لوددت أن درع سعد كانت أسبغ مما هي قالت وخفت عليه حيث أصاب السهم منه فرمى سعد بن معاذ بسهم فقطع منه الأكحل رماه كما حدثني عاصم حبان بن العرقة أحد بني عامر بن لؤي فلما أصابه قال خذها مني وأنا ابن العرقة فقال له سعد عرق الله وجهك في النار‏.‏

ويقال بل الذي رماه خفاجة بن عاصم بن جبارة وقيل بل الذي رماه أبو أسامة الجشمي حليف بني مخزوم‏.‏رجع إلى ابن إسحاق ثم قال سعد اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئاً فأبقني لها فإنه لا قوم أحب إلي أن أجاهد من قوم آذوا رسولك وأخرجوه وكذبوه اللهم إن كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعلها لي شهادة ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة‏.‏

وذكر ابن عائذ أن المشركين جهزوا نحو رسول الله عليه الصلاة والسلام كتبية عظيمة غليظة فقاتلوهم يوماً إلى الليل فلما حضرت العصر دنت الكتائب فلم يقدر النبي عليه الصلاة والسلام ولا أحد من أصحابه الذين كانوا معه أن يصلوا الصلاة على ما أرادوا فانكفأت مع الليل فزعموا أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال ‏"‏ شغلونا عن صلاة العصر ملأ اللهم بطونهم وقبورهم ناراً ‏"‏‏.‏وقرأت على أبي النور إسماعيل بن نور بن قمر الهيتي أخبركم الشيخ أبو نصر موسى بن عبد القادر الجبلي قراءة عليه وأنت تسمع فاقر به قال أنا أبو بكر بن الزاغوني قال أنا ابن البسري قال أنا المخلص فثنا يحيى بن محمد فثنا محمد بن يزيد أبو هشام الرفاعي فثنا أبو مالك الجنبي عمرو بن هاشم فثنا يحيى بن سعيد عن سعيد ابن المسيب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال ما صلى رسول الله عليه الصلاة والسلام يوم الخندق الظهر والعصر حتى غابت الشمس‏.‏

رواية سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب ذهب بعض الناس إلى أنها مرسلة لأنه ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر وقيل ولد لسنتين خلتا من خلافة عمر وهو الصحيح إن شاء الله فتكون متصلة وله عنه أحاديث يسيرة هي عندهم متصلة ويقول في بعضها سمعت عمر رضي الله عنه على المنبر‏.‏

وذكر ابن سعد في هذا الخبر أنهم شغلوا عن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء‏.‏

قال ابن سعد وأقام أسيد بن الحضير على الخندق في مائتين من المسلمين وكر خالد بن الوليد في خيل من المشركين يطلبون غرة المسلمين فناوشهم ساعة ومع المشركين وحشي فزرق الطفيل بن النعمان من بني سلمة بزراقه فقتله وانكشفوا وسار رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى قبته فأمر بلالاً فأذن وأقام الظهر ثم أقام بعد لكل صلاة إقامة وصلى هو وأصحابه ما فاتهم من الصلوات وقال ‏"‏ شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله أجوافهم وقلبوهم ناراً ‏"‏ ولم يكن لهم بعد ذلك قتال جميعاً حتى انصرفوا إلا أنهم لا يدعون الطلائع بالليل يطعمون في الغارة‏.‏

قال ابن إسحاق فأقام رسول الله عليه الصلاة والسلام وأصحابه فيما وصف الله عز وجل من الخوف والشدة بمظاهرة عدوهم وإتيانهم إليهم من فوقهم ومن أسفل منهم ثم إن نعيم بن مسعود الأشجعي أتى رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال يا رسول الله إني أسلمت وإن قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام ‏"‏ إنما أنت فينا رجل واحد فخذ عنا ما استطعت فإن الحرب خدعة ‏"‏ فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة وكان لهم نديماً في الجاهلية فقال يا بني قريظة قد عرفتم ودي إياكم وخاصة ما بيني وبينكم قالوا صدقت لست عندنا بمتهم فقال لهم إن قريش وغطفان ليسوا كما أنتم البلد بلدكم وبه أموالكم ونساؤكم وأبناؤكم لا تقدرون على أن تتحولوا منه إلى غيره وإن قريش وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه وقد ظاهرتموهم عليه وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره فليسوا كأنتم فإن رأوا تهزة أصابوها وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ببلدكم ولا طاقة لكم به إن خلا بكم فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهناً من أشرافهم يكون بأيديكم ثقة لكم على أن يقاتلوا معكم محمداً حتى تناجزوه قالوا لقد أشرت بالرأي ثم خرج حتى أتى قريشاً فقال لأبي سفيان بن حرب ومن معه من رجال قريش قد عرفتم ودي لكم وفراقي محمداً وأنه قد بلغني أمر قد رأيت أن أبلغكموه نصحاً لكم فاكتموا عني قالوا نفعل قال تعلمون أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد وقد أرسلوا إليه أنا قد ندمنا على ما فعلنا فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين من قريش وغطفان رجالاً من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب أعناقهم ثم نكون معك على من بقي منهم حتى نستأصلهم فأرسل إليهم نعم فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون منكم رهناً من رجالكم فلا تدفعوا إليهم رجلاً واحداً ثم خرج حتى أتى غطفان فقال يا معشر غطفان إنكم أصلي وعشيرتي وأحب الناس إلي ولا أراكم تتهموني قالوا صدقت ما أنت عندنا بمتهم قال فاكتموا علي قالوا نعم ثم قال لهم مثل ما قال لقريش وحذرهم فلما كانت ليلة السبت من شوال سنة خمس وكان من صنيع الله لرسوله عليه الصلاة والسلام أرسل أبو سفيان بن حرب ورءوس غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان فقالوا لهم إنا لسنا بدار مقام قد هلك الخف والحافر فأعدوا للقتال حتى نناجز محمداً ونفرغ مما بيننا وبينه فأرسلوا إليه أن اليوم يوم السبت وقد علمتم ما نال منا من تعدي في السبت ومع ذلك فلا نقاتل معكم حتى تعطونا رهناً‏.‏

فلما رجع الرسول بذلك قالوا صدقنا والله نعيم بن مسعود فردوا إليهم الرسل وقالوا والله لا نعطيكم رهناً أبداً فأخرجوا معنا إن شئتم وإلا فلا عهد بيننا وبينكم فقال بنو قريظة صدق والله نعيم بن مسعود وخذل الله بينهم واختلفت كلمتهم وبعث الله عليهم ريحاً عصفاً في ليال شديدة البرد فجعلت الريح تقلب أبنيتهم وتكفأ قدورهم فلما اتصل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اختلاف أمره بعث حذيفة بن اليمان ليأتيه بخبرهم فأتاهم واستتر في غمارهم وسمع أبا سفيان يقول يا معشر قريش ليتعرف كل امرئ منكم جليسه قال حذيفة فأخذت بيد جليسي وقلت من أنت فقال أنا فلان ثم قال أبو سفيان يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام ولقد هلم الكراع والخف وأخلفتنا بنو قريظة ولقينا من هذه الريح ما ترون ما يستمسك لنا بناء ولا تثبت لنا قدر ولا تقوم لنا نار فارتحلوا فإني مرتحل ووثب على جمله فما حل عقال يده إلا وهو قائم قال حذيفة ولولا عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلي إذ بعثني أن لا أخذت شيئاً لقتلته بسهم ثم أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند رحيلهم فوجدته قائماً يصلي فأخبرته فحمد الله وسمعت غطفان بما فعلت قريش فانشمروا راجعين إلى بلادهم‏.‏

وروينا من طريق البخاري فثنا محمد بن كثير قال أنا سفيان عن محمد ابن المنكدر قال سمعت جابراً يقول قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الأحزاب ‏"‏ من يأتينا بخبر القوم ‏"‏ فقال الزبير أنا ثم قال ‏"‏ إن لكل نبي حواري وإن حواريي الزبير ‏"‏‏.‏

كذا وقع في هذا الخبر والمشهور أن الذي توجه ليأتي بخبر القوم حذيفة بن اليمان كما روينا عنه من طريق ابن إسحاق وغيره قال يعني النبي صلّى الله عليه وسلّم ‏"‏ من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع ‏"‏ يشترط له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الرجعة ‏"‏ أسأل الله أن يكون رفيقي في الجنة ‏"‏ فما قام رجل من القوم من شدة الخوف وشدة الجزع وشدة البرد فلما لم يقم أحد دعاني فلم يكن لي بد من القيام حين دعاني فقال ‏"‏ يا حذيفة اذهب فأدخل في القوم ‏"‏‏.‏

وذكر الحديث‏.‏

وذكر ابن عقبة ومحمد بن عائذ خروج حذيفة إلى المشركين ومشقة ذلك عليه إلى أن قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ‏"‏ قم فحفظك الله من أمامك ومن خلفتك وعن يمينك وعن شمالك حتى ترجع إلينا ‏"‏ فقام حذيفة مستبشراً بدعاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كأنه احتمل احتمالاً فما شق عليه شيء مما كان فيه وعند ابن عائذ فقبض حذيفة على يد رجل عن يمينه فقال من أنت قال أنا معاوية بن أبي سفيان وقبض على يد آخر عن يساره فقال من أنت فقال أنا فلان وفعل ذلك خشية أن يفطن له فبدرهم بالمسئلة‏.‏

وقد روينا في خبر نعيم بن مسعود غير ما ذكرناه‏.‏

وقال صلّى الله عليه وسلّم حين أجلى الأحزاب ‏"‏ الآن نغزوهم ولا يغزوننا نحن نسير إليهم ‏"‏ ذكره البخاري بسنده وقال ابن سعد وأقام عمرو بن العاص وخالد بن الوليد في مائتين فارس ساقة لعسكر المشركين وردءاً لهم مخافة الطلب وانصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الأربعاء لسبع ليال بقين من ذي القعدة‏.‏

وكان مما قيل من الشعر يوم الخندق قول عبد الله بن الزبعري السهمي‏:‏

حي الديار محا معارف رسمها ** طول البلى وتراوح الأحقاب

قفراً كأنك لم تكن تلهو بها ** في نعمة بأوانس أتراب

فاترك تذكر ما مضى من عيشة ** ومحلة خلق المقام بباب

واذكر بلاء معاشر واشكرهم ** ساروا بأجمعهم من الأنصاب

أنصاب مكة عامدين ليثرب ** في ذي غياطل جحفل جبجاب

فدع الحزون مناهجاً معلومة ** في كل نشز ظاهر وشعاب

فيه الجياد شوازب مجنونة ** قب البطون لواحق الأقراب

جيش عيينة قاصد بلوائه ** فيه وصخر قائد الأحزاب

قرمان كالبدرين أصبح فيهما ** غيث الفقير ومعقل الهراب

حتى إذا وردوا المدينة وارتدوا ** للموت كل مجرب قضاب

شهراً وعشراً قاصدين محمداً ** وصحابه في الحرب غير صحاب

لولا الخنادق غادروا من جمعهم ** قتلى لطير سغب وذئاب

فأجابه حسان بن ثابت رضي الله عنه‏:‏

هل رسم دارسة المقام بباب ** متكلم لمحاور بجواب

فدع الديار وذكر كل خريدة ** بيضاء آنسة الحديث كعاب

واشك الهموم إلى الإله وما ترى ** من معشر ظلموا الرسول غضاب

ساروا بجمعهم إليه وألبوا ** أهل القرى وبوادي الأعراب

جيش عيينة وابن حرب فيهم ** متخمطون بحلية الأحزاب

حتى إذا وردوا المدينة وارتجوا ** قتل الرسول ومغنم الأسلاب

من بعد ما قنطوا ففرق جمعهم ** تنزيل نصر مليكنا الوهاب

وأقر عين محمد وصحابه ** وأذل كل مكذب مرتاب

وقال هبيرة بن أبي وهب يعتذر من فراره ويبكي عمرو بن عبد ود يذكر علياً وقد سبق بعض هذه الأبيات‏:‏

لعمري ما وليت ظهري محمداً ** وأصحابه جبناً ولا خيفة القتل

ولكنني قلبت أمراً فلم أجد ** لسيفي غناءً إن ضربت ولا نبل

وقفت فلما لم أجد لي مقدماً ** شددت كضرغام هزبر أبي شبل

ثنى عطفه عن قرنه حين لم تجد ** مكراً وقدماً كان ذلك من فعلي

فلا تبعدن يا عمرو حياً وهالكاً ** وحق بحسن المدح مثلك من مثل

ولا تبعدن يا عمرو حياً وهالكاً ** فقدمت محمود الثنا ماجد الأصل

فمن لطوال الخيل تقدع بالقنا ** وللفخر يوماً عند قرقرة البزل

هنالك لو كان ابن عبد لزارها ** وفرجها حقاً فتى غير ما وغل

فعنك علي لا أرى مثل موقف ** وقفت على نجد المقدم كالفحل

الغيطلة الشجر الملتف والغيطلة الجلبة والغيطلة التباس الظلام وجبجاب كثير الصوت والمتخمط الشديد الغضب‏.‏

 شهداء الخندق

من بني عبد الأشهل‏:‏ سعد بن معاذ وأنس بن أوس بن عتيك وعبد الله بن سهل ومن بني جشم بن الخزرج ثم من بني سلمة الطفيل بن النعمان وثعلبة بن عتمة ومن بني النجار كعب بن زيد‏.‏

وذكر شيخنا الحافظ أبو محمد عبد المؤمن الدمياطي في نسب الأوس له في بني ظفر قيس بن زيد بن عامر بن سواد بن ظفر شهد أحداً وحضر الخندق ومات هناك ودفن وذكر في نسب الخزرج له عبد الله بن أبي خالد بن قيس بن مالك بن كعب بن عبد الأشهل بن حارثة بن دينار ابن النجار قتل يوم الخندق شهيداً ذكره ابن الكلبي‏.‏

 غزوة بني قريظة

روينا عن أبي بكر الشافعي فثنا عبيد بن عبد الواحد بن شريك البزار فثنا سعيد بن أبي مريم قال أنا العمري عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت لما رجع النبي صلّى الله عليه وسلّم يوم الخندق بينا هو عندي إذ دق الباب فارتاع لذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ووثب وثبة منكرة وخرج فخرجت في أثره فإذا رجل على دابة والنبي صلّى الله عليه وسلّم متكئ على معرفة الدابة يكلمه فجرعت فلما دخل قلت من ذلك الرجل الذي كنت تكلمه قال ‏"‏ ورأيتيه ‏"‏ قلت نعم قال بمن تشبهينه قلت بدحية بن خليفة الكلبي قال ‏"‏ ذاك جبريل أمرني أن أمضي إلى بني قريظة ‏"‏‏.‏

قال ابن إسحاق ولما أصبح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم انصرف عن الخندق راجعاً إلى المدينة والمسلمون ووضعوا السلاح فلما كانت الظهر أتى جبريل النبي صلّى الله عليه وسلّم كما حدثني الزهري معتجراً بعمامة من استبرق على بغلة عليها رحالة عليها قطيفة ديباج فقال أو بد وضعت السلاح يا رسول الله قال ‏"‏ نعم ‏"‏ فقال جبريل ما وضعت الملائكة السلاح بعد وما رجعت الآن إلا من طلب القوم أن الله يأمرك يا محمد بالمسير إلى بني قريظة فإني عامد إليهم فمزلزل بهم فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مؤذناً فأذن في الناس من كان سامعاً مطيعاً فلا يصلين العصر إلا ببني قريظة‏.‏

وروينا عن ابن عائذ قال أخبرني الوليد عن معاذ بن رفاعة السلامي عن أبي الزبير عن جابر قال بينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يغسل رأسه مرجعه من طلب الأحزاب إذ وقف عليه جبريل فقال ما أسرع ما حللتم والله ما نزعنا من لأمتنا شيئاً منذ نزل العدو بك قم فشد عليك سلاحك فوالله لأدقنهم كدق البيض على الصفا ثم ولى فأتبعته بصري فلما رأينا ذلك نهضنا‏.‏قال وأخبرني الوليد قال أخبرني سعيد بن بشير عن قتادة قال بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يومئذ معادياً يا خيل الله اركبي‏.‏

قال ابن سعد ثم سار إليهم في المسلمين وهم ثلاثة آلاف والخيل ستة وثلاثون فرساً وذلك في يوم الأربعاء لسبع بقين من ذي القعدة واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم فيما قال ابن هشام‏.‏

قال ابن إسحاق وقدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علي بن أبي طالب برايته إلى بني قريظة وابتدرها الناس فسار حتى إذا دنا من الحصون سمع منها مقالة قبيحة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرجع حتى لقي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالطريق فقال يا رسول الله لا عليك أن لا تدنو من هؤلاء الأخابيث قال ‏"‏ لم أظنك سمعت منهم لي أذى ‏"‏ قال نعم يا رسول الله قال ‏"‏ لو رأوني لم يقولوا من ذلك شيئاً ‏"‏ فلما دنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من حصونهم قال ‏"‏ يا إخوان القردة هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته ‏"‏ قالوا يا أبا القاسم ما كنت جهولاً ومر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بنفر من أصحابه بالصورين قبل أن يصل إلى بني قريظة فقال ‏"‏ هل مر بكم أحد ‏"‏ قالوا يا رسول الله مر بنا دحية بن خليفة الكلبي على بغلة بيضاء عليها رحالة وعليها قطيفة ديباج فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ‏"‏ ذاك جبريل بعث إلى بني قريظة يزلزل بهم حصونهم ويقذف الرعب في قلوبهم ‏"‏ ولما أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بني قريظة نزل على بئر من آبارها وتلاحق به الناس فأتى رجال من بعد العشاء الآخرة ولم يصلوا العصر لقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ‏"‏ لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة ‏"‏ فشغلهم ما لم يكن لهم منه بد في حربهم وأبوا أن يصلوا لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم ‏"‏ حتى تأتوا بني قريظة ‏"‏ فصلوا العصر بها بعد العشاء الآخرة فما عابهم الله بذلك في كتابه ولا عنفهم به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حدثني بهذا الحديث أبي إسحاق بن يسار عن معبد بن كعب بن مالك الأنصاري وحاصرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خمساً وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب وقد كان حيي بن أخطب دخل مع بني قريظة في حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان وفاءً لكعب بن أسد بما كان عاهده عليه فلما أيقنوا بأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غير منصرف عنهم حتى يناجزهم قال كعب بن أسد لهم يا معشر يهود قد نزل بكم من الأمر ما ترون وإني عارض عليكم خلالاً ثلاثاً فخذوا أيها شئتم قالوا وما هي قال نتابع هذا الرجل ونصدقه فوالله لقد تبين لكم إنه لنبي مرسل وإنه للذي تجدونه في كتابكم فتأمنون على دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم قالوا لا نفارق حكم التوراة أبداً ولا نستبدل به غيره قال فإذا أبيتم على هذه فهلم فلنقتل أبناءنا ونساءنا ثم نخرج إلى محمد وأصحابه رجالاً مصلتين بالسيوف لم نترك وراءنا ثقلاً حتى يحكم الله بيننا وبين محمد فإن نهلك نهلك ولم نترك وراءنا نسلاً نخشى عليه وإن نظهر فلعمري لنجد النساء والأبناء قالوا نقتل المساكين فما خير العيش بعدهم قال فإن أبيتم على هذه فإن الليلة ليلة السبت وإنه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنونا فيها فأنزلوا لعلنا نصيب من محمد وأصحابه غرة قالوا نفسد سبتنا ونحدث فيه ما لم يحدث فيه من كان قبلنا إلا من قد علمت فأصابه ما لم يخف عليك من المسخ قال ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازماً ثم إنهم بعثوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن ابعث إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر أخا بني عمرو بن عوف وكانوا حلفاء الأوس نستشيره في أمرنا فأرسله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إليهم فلما رأوه قام إليه الرجال وجهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه فرق لهم وقالوا يا أبا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمد قال نعم وأشار بيده إلى حلقه أنه الذبح قال أبو لبابة فوالله ما زالت قدماي من مكانهما حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله ثم انطلق أبو لبابة على وجهه ولم يأت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عمده وقال لا أبرح مكاني هذا حتى يتوب الله علي مما صنعت وعاهدت الله أن لا أطأ بني قريظة أبداً ولا أرى في بلد خنت الله ورسوله فيه أبداً فلما بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خبره وكان قد استبطأه قال ‏"‏ أما لو جاءني لاستغفرت له وأما إذ فعل ما فعل فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه ‏"‏‏.‏وحدثني يزيد بن عبد الله بن قسيط ان توبة أبي لبابة نزلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو في بيت أم سلمة قالت أم سلمة فسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من السحر وهو يضحك قالت قلت مم تضحك أضحك الله سنك قال ‏"‏ تيب على أبي لبابة ‏"‏ قالت قلت أفلا أبشره يا رسول الله قال ‏"‏ بلى إن شئت ‏"‏ قال فقامت على باب حجرتها وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب فقالت يا أبا لبابة أبشر فقد تاب الله عليك قالت فثار الناس إليه ليطلقوه فقال لا والله حتى يكون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو الذي يطلقني بيده فلما مر عليه خارجاً إلى صلاة الصبح أطلقه‏.‏

قال ابن هشام أقام أبو لبابة مرتبطاً بالجذع ست ليال تأتيه امرأته في وقت كل صلاة فتحله للصلاة ثم يعود فيرتبط بالجذع فيما حدثني بعض أهل العلم وقال أبو عمر روى ابن وهب عن مالك عبد الله بن أبي بكر أن أبا لبابة ارتبط بسلسلة ربوض والربوض الثقيلة بضع عشرة ليلة حتى ذهب سمعه فما يكاد يسمع وكاد يذهب بصره وكانت ابنته تحله إذا حضرت الصلاة أو أراد أن يذهب لحاجة فإذا فرغ أعادته إلى الرباط فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ‏"‏ لو جاءني لاستغفرت له ‏"‏‏.‏

قال أبو عمر اختلف في الحال الذي أوجب فعل أبي لبابة هذا بنفسه وأحسن ما قيل في ذلك ما رواه معمر عن الزهري قال كان أبو لبابة ممن تخلف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك فربط نفسه بسارية وقال والله لا أحل نفسي منها ولا أذوق طعاماً ولا شراباً حتى يتوب الله علي أو أموت فمكث سبعة أيام لا يذوق طعاماً ولا شراباً حتى خر مغشياً عليه ثم تاب الله عليه وذكر نحو ما تقدم في حل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إياه ثم قال أبو لبابة يا رسول الله إن من توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب وأن أنخلع من مالي كله صدقة إلى الله وإلى رسوله قال يجزئك يا أبا لبابة الثلث‏.‏وروى عن ابن عباس من وجوه في قوله تعالى ‏"‏ وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً ‏"‏ الآية أنها نزلت في أبي لبابة ونفر معه سبعة أو ثمانية أو سبعة سواه تخلفوا عن غزوة تبوك ثم ندموا فتابوا وربطوا أنفسهم بالسواري فكان عمله الصالح توبتهم والسيء تخلفهم عن الغزو مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم‏.‏

قال أبو عمر وقد قيل إن الذنب الذي أتاه أبو لباب كان إشارته إلى حلفائه بني قريظة إنه الذبح إن نزلتم على حكم سعد بن معاذ وإشارته إلى حلفه فنزلت فيه ‏"‏ يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول ‏"‏ الآية‏.‏

قال ابن إسحاق ثم إن ثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وأسيد بن عبيد وهم نفر من هدل ليسوا من بني قريظة ولا النضير نسبهم فوق ذلك وهم بنو عمر القوم أسلموا تلك الليلة التي نزلت فيها قريظة على حكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم‏.‏

وخرج في تلك الليلة عمرو بن سعدي القرظي فمر بحرس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعليه محمد بن مسلمة تلك الليلة فلما رآه قال من هذا قال أنا عمرو بن سعدي وكان عمرو قد أبى أن يدخل مع بني قريظة في غدرهم برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال لا أغدر بمحمد أبداً فقال محمد بن مسلمة حين عرفه اللهم لا تحرمني عثرات الكرام ثم خلى سبيله فخرج على وجهه حتى بات في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة تلك الليلة ثم ذهب فلم يدر أين وجه من الأرض إلى يومه هذا فذكر لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم شأنه فقال ‏"‏ ذلك رجل تجاه الله بوفائه ‏"‏‏.‏وبعض الناس يزعم أنه كان أوثق برمة فيمن أوثق من بني قريظة حين نزلوا على حكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأصبحت رمته ملقاة ولا يدري أين ذهب فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيه تلك المقالة ‏"‏ فالله أعلم أي ذلك كان ‏"‏ فلما أصبحوا نزلوا على حكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتواثبت الأوس فقالوا يا رسول الله أنهم موالينا دون الخزرج وقد فعلت في موالي إخواننا بالأمس ما قد علمت وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل بني قريظة قد حاصر بني قينقاع وكانوا حلفاء الخزرج فنزلوا على حكمه فسأله إياهم عبد الله بن أبي بن سلول فوهبهم فلما كلمته الأوس قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ‏"‏ ألا ترضون يا معشر الأوس أن يحكم فيهم رجل منكم ‏"‏ قالوا بلى قال ‏"‏ فذلك إلى سعد بن معاذ ‏"‏ وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد جعل سعد بن معاذ في خيمة لامرأة من أسلم يقال لها رفيدة في مسجده كانت تداوي الجرحى وتحتسب بنفسها على خدمة من كانت بها ضيعة من المسلمين وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد قال لقومه حين أصابه السهم بالخندق ‏"‏ اجعلوه في خيمة رفيدة حتى أعوده من قريب ‏"‏ فلما حكمه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بني قريظة أتاه قومه فحملوه على حمار وقد وطئوا له بوسادة من أدم وكان رجلاً جسيماً ثم أقبلوا معه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهم يقولون يا أبا عمرو أحسن في مواليك فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إنما والاك ذلك لتحسن فيهم فلما أكثروا قال لقد آن لسعد أن لا يأخذه في الله لومة لائم فرجع بعض من كان معه من قومه إلى دار بني عبد الأشهل فنعي إليهم رجال بني قريظة قبل أن يصل إليهم سعد عن كلمته التي سمع منه فلما انتهى سعد إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ‏"‏ قوموا إلى سيدكم ‏"‏‏.‏

فأما المهاجرون من قريش فيقولون إنما أراد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الأنصار‏.‏

وأما الأنصار فيقولون عم بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المسلمين فقاموا إليه فقالوا يا أبا عمر إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد ولاك أمر مواليك لتحكم فيهم فقال سعد عليكم بذلك عهد الله وميثاقه أن الحكم فهم كما حكمت قالوا نعم قال وعلى من هاهنا في الناحية التي فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو معرض عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إجلالاً له فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ‏"‏ نعم ‏"‏ قال سعد فإني أحكم فيهم أن تقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبي الذراري والنساء‏.‏

قال ابن سعد قال حميد وقال بعضهم وتكون الديار للمهاجرين دون الأنصار قال فقالت الأنصار إخواننا كنا معهم فقال أني أحببت أن يستغنوا عنكم‏.‏

قال ابن إسحاق فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ عن علقمة بن وقاص الليثي قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لسعد ‏"‏ لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع أرفعة ‏"‏‏.‏

قال ابن هشام حدثني من أثق به من أهل العلم أن علي بن أبي طالب صاح وهم محاصرو بني قريظة بكتيبة الأيمان وتقدم هو والزبير بن العوام وقال والله لأذوقن ما ذاق حمزة أو أفتحن حصنهم فقالوا يا محمد ننزل على حكم سعد‏.‏

قال ابن إسحاق ثم استنزلوا فحسبهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في دار بنت الحارث امرأة من بني النجار‏.‏

ثم خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى سوق المدينة التي هي سوقها اليوم فخندق بها خنادق ثم بعث إليهم فضرب أعناقهم في تلك الخنادق فخرج بهم إليها أرسالاً وفيهم عدو الله حيي بن أخطب وكعب ابن أسد رأس القوم وهم ستمائة أو سبعمائة والمكثر يقول كانوا ما بين الثمانمائة والتسعمائة وقد قالوا لكعب بن أسد وهم يذهب بهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أرسالاً‏:‏ يا كعب ما تراه يصنع بنا قال في كل موطن لا تعقلون أما ترون الداعي لا ينزع وإنه من ذهب منكم لا يرجع هو الله القتل‏.‏

فلم يزل ذلك الدأب حتى فرغ منهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأتى بحيي بن أخطب عدو الله مجموعة يداه إلى عنقه بحبل فلما نظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال أما والله ما لمت نفسي في عداوتك ولكنه من يخذل الله يخذل ثم أقبل على الناس فقال‏:‏ أيها الناس إنه لا بأس بأمر الله كتاب وقدر وملحمة كتبت على بني إسرائيل ثم جلس فضربت عنقه‏.‏

وقد حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت لم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة قالت والله إنها لعندي تحدث معي وتضحك ظهراً وبطناً ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقتل رجالها في السوق إذ هتف هاتف باسمها أين فلانة قالت فانطلق بها فضربت عنقها فكانت عائشة تقول فوالله ما أنسى عجباً منها طيب نفسها وكثرة ضحكها وقد عرفت أنها تقتل‏.‏

قال ابن هشام هي التي طرحت الرحا على خلاد بن سويد فقتلته وقال ابن سعد أمر بهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم محمد بن مسلمة فكتفوا وجعلوا ناحية وأخرج النساء والذرية فكانوا ناحية واستعمل عليهم عبد الله بن سلام وجمع أمتعتهم وما وجد في حصونهم من الحلقة والأثاث والثياب فوجد فيها ألفاً وخمسمائة سيف وثلاثمائة درع وألفي رمح وخمسمائة ترس وحجفة وخمراً وجرار سكر فأهريق ذلك لكه ولم يخمس ووجدوا أجمال نواضح وماشية كثيرة‏.‏قال ابن إسحاق‏:‏ وقد كان ثابت بن قيس بن الشماس كما ذكر ابن شهاب الزهري أتى الزبير بن باطا القرظي وكان يكنى أبا عبد الرحمن وكان الزبير قد من على ثابت بن قيس في الجاهلية ذكر لي بعض ولد الزبير أنه كان من عليه يوم بعاث أخذه فجز ناصيته ثم خلى سبيله فجاءه ثابت وهو شيخ كبير فقال يا أبا عبد الرحمن هل تعرفني قال وهل يجهل مثلي مثلك قال أنى قد أردت أن أجزيك بيدك عندي قال إن الكريم يجزي الكريم ثم أتى ثابت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال يا رسول الله إنه كان للزبير علي منة وقد أحببت أن أجزيه بها فهب لي دمه فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ‏"‏ هو لك ‏"‏ فأتاه فقال إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد وهب لي دمك فهو لك قال شيخ كبير لا أهل له ولا ولد فما يصنع بالحياة قال فأتى ثابت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال يا رسول الله ماله قال هو لك فأتاه ثابت فقال قد أعطاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مالك فهو لك قال أي ثابت ما فعل الذي كأن وجهه مرآة صينية تتراءى فيه عذارى الحي كعب بن أسد قال قتل قال فما فعل سيد الحاضر والبادي حيي بن أخطب قال قتل قال فما فعل مقدمتنا إذا شددنا وحاميتنا إذا فررنا عزال بن سموال قال قتل قال فما فعل المجلسان يعني بني كعب بن قريظة وبني عمرو بن قريظة قال ذهبوا قتلوا قال فإني أسألك يا ثابت بيدي عندك إلا ألحقتني بالقوم فوالله ما في العيش بعد هؤلاء من خير أفما أنا بصابر لله قبلة دلو ناضح حتى ألقى الأحبة قال يلقاهم والله في نار جهنم خالد مخلداً‏.‏

وذكر أبو عبيد هذا الخبر وفيه فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ‏"‏ لك أهله وماله إن أسلم ‏"‏‏.‏